يقول هذا الرجل تقاعدت في سن الخامسة والستين وكان الأمر عليَ صعباً في البداية لم
أصدق نفسي أنني هرمت ، وأصبحت بلا عمل ، بالرغم من أنني كنت أنعي سوء حظي
الذي كان يلازمني طوال فترة خدمتي في الوظيفة التي كنت أعمل بها ، وكم تمنيت أن
أعود إلى روتين العمل لا لشيء إلا لقتل الوقت فقط ، ولم أعد أطبق الوضع الجديد بهذه
الصورة ، فلم أجد بداً إلا أن أفكر بطريقة مختلفة ، فقلت لنفسي : يجب أن أصنع شيئاً
وأطرق باباً جديداً و مجالاً لم أتطرق إليه من قبل ، وشيئاً فشيئاً بدأت أعتاد الوضع
الجديد ، فبدأت بتعويد نفسي على نظام جديد ، وعادات جديدة ، جلبت إلى نفسي الرضا
والغبطة والسعادة التي كنت أتوق إليها طوال حياتي .
بدأت أقوم من النوم قبل الفجر لصلاة قيام الليل ، وقد كنت أتوق إلى فعل ذلك من قبل ولم
أكن قادراً على ذلك .
وقبيل الفجر أذهب إلى المسجد فأصلي الفجر في جماعة ثم اعتكف على الذكر ، وأقرأ
القرآن حتى الشروق ، فأصلي ركعتين ثم أخرج للتأمل والتمشية والذكر قرابة الساعتين
، ثم أعود إلى بيتي بعد أن تكون الشمس قد ملأت الكون نوراً وإشراقاً ، ودفئاً .
وعندما أعود أجد زوجتي في انتظاري ، ومائدة الفطور ممتدة أمامي ، فنتحدث سوياً
أثناء الفطور ، ثم نشرب الشاي بالحليب ونحن جالسين في شرفة المنزل المطل على
الشارع الرئيسي ، ثم نقوم بقراءة الجرائد والمجلات ونعلق تعليقات طريفة على بعض
الأخبار الغريبة التي نطالعها هنا وهناك .
أدخل بعدها مكتبي فأعتكف على تدارس العلم والقراءة التي طالما تمنيت أن أخصص
لها وقتاً غالياً لنفسي حتى صلاة الظهر ، ثم أذهب إلى المسجد فأصلي الظهر في جماعة
ثم أعود لأجلس مع زوجتي حتى وقت الغداء .
ثم أرتاح قليلاً بعد الغداء لأدخل مكتبي فأستكمل ما كنت أقرأ وأدون نقاطاً ، أو خواطر
جديدة تخطر لي ، أو أفكاراً أو معلومات أو ملاحظات قيمة ، وظللت على تلك الحال
أنتقل بين مرجع وآخر وكتاب وآخر ومعلومة وأخرى حتى صدر أول مؤلفاتي بعد فترة
عامين من تقاعدي ، ثم بدأت تتوالى مؤلفاتي تباعا .
شعرت بعد ذلك بأنني أعيش أروع فترات عمري ، وعندما بدأت تغيير أفكاري وجدت
نفسي ببساطة وقعت في هوى كل شيء حولي ، جددت حبي لزوجتي وأولادي وأحفادي
وقراءاتي ، وتغيرت الأسباب وتغير اعتقادي عن سوء حظي الذي لازمني طول
عمري ، أما الآن فابتسمت للحياة ، وبدأت أصنع حظي من جديد .
يقول الشاعر :
إذا كانــت النــفوس كـباراً تعـبت فـي مــرادها الأجــساد
0 التعليقات:
إرسال تعليق