الخميس، 2 يناير 2014

رجل متقاعد من العمل


يقول هذا الرجل تقاعدت في سن الخامسة والستين وكان الأمر عليَ صعباً في البداية لم 

أصدق نفسي أنني هرمت ، وأصبحت بلا عمل ، بالرغم من أنني كنت أنعي سوء حظي 

الذي كان يلازمني طوال فترة خدمتي في الوظيفة التي كنت أعمل بها ، وكم تمنيت أن 

أعود إلى روتين العمل لا لشيء إلا لقتل الوقت فقط ، ولم أعد أطبق الوضع الجديد بهذه 

الصورة ، فلم أجد بداً إلا أن أفكر بطريقة مختلفة ، فقلت لنفسي : يجب أن أصنع شيئاً 

وأطرق باباً جديداً و مجالاً لم أتطرق إليه من قبل ، وشيئاً فشيئاً بدأت أعتاد الوضع 

الجديد ، فبدأت بتعويد نفسي على نظام جديد ، وعادات جديدة ، جلبت إلى نفسي الرضا 

والغبطة والسعادة التي كنت أتوق إليها طوال حياتي .

بدأت أقوم من النوم قبل الفجر لصلاة قيام الليل ، وقد كنت أتوق إلى فعل ذلك من قبل ولم

 أكن قادراً على ذلك .

وقبيل الفجر أذهب إلى المسجد فأصلي الفجر في جماعة ثم اعتكف على الذكر ، وأقرأ 

القرآن حتى الشروق ، فأصلي ركعتين ثم أخرج للتأمل والتمشية والذكر قرابة الساعتين 

، ثم أعود إلى بيتي بعد أن تكون الشمس قد ملأت الكون نوراً وإشراقاً ، ودفئاً .

وعندما أعود أجد زوجتي في انتظاري ، ومائدة الفطور ممتدة أمامي ، فنتحدث سوياً 

أثناء الفطور ، ثم نشرب الشاي بالحليب ونحن جالسين في شرفة المنزل المطل على

 الشارع الرئيسي ، ثم نقوم بقراءة الجرائد والمجلات ونعلق تعليقات طريفة على بعض 

الأخبار الغريبة التي نطالعها هنا وهناك .


أدخل بعدها مكتبي فأعتكف على تدارس العلم والقراءة التي طالما تمنيت أن أخصص 

لها وقتاً غالياً لنفسي حتى صلاة الظهر ، ثم أذهب إلى المسجد فأصلي الظهر في جماعة

 ثم أعود لأجلس مع زوجتي حتى وقت الغداء .

ثم أرتاح قليلاً بعد الغداء لأدخل مكتبي فأستكمل ما كنت أقرأ وأدون نقاطاً ، أو خواطر 

جديدة تخطر لي ، أو أفكاراً أو معلومات أو ملاحظات قيمة ، وظللت على تلك الحال 

أنتقل بين مرجع وآخر وكتاب وآخر ومعلومة وأخرى حتى صدر أول مؤلفاتي بعد فترة 

عامين من تقاعدي ، ثم بدأت تتوالى مؤلفاتي تباعا .

شعرت بعد ذلك بأنني أعيش أروع فترات عمري ، وعندما بدأت تغيير أفكاري وجدت

 نفسي ببساطة وقعت في هوى كل شيء حولي ، جددت حبي لزوجتي وأولادي وأحفادي

 وقراءاتي ، وتغيرت الأسباب وتغير اعتقادي عن سوء حظي الذي لازمني طول 

عمري ، أما الآن فابتسمت للحياة ، وبدأت أصنع حظي من جديد .


يقول الشاعر :

إذا كانــت النــفوس كـباراً        تعـبت فـي مــرادها الأجــساد





0 التعليقات:

إرسال تعليق